گۆتارەک ب زمانێ عەرەبی د ڕۆژنامەیا (التآخي) یا ژمارە 97076 و سایتێ فەرمیێ ڕۆژنامەیێدا ل بن ناڤێ"أطلس كردستان: حين تتجسد الجغرافيا في الذاكرة وتخلد الأرض في سطور الخريطة" بەلاڤبوویە.
أطلس كردستان: حين تتجسد الجغرافيا في الذاكرة وتخلد الأرض في سطور الخريطة
شيرزاد نايف
كعاشق للخرائط والجغرافيا، وممارس قديم لفنّ الرماية في ميدان الأرض والاتجاهات وككاتب صحفي بلغ يوبيله الذهبي؛ أكتب هذا النص ليس كمجرد مقال، بل استعادة لندبة قديمة في الذاكرة… حباً و هوايةَ فقدت كثيرًا من بصري حين كنت أقرأ الخرائط بمنظار المدفعية، أتحرّى الأهداف بدقة، وأسابق القدر والخطر، والضياع. كنت أُقيس الأرض ليس بالأمتار فقط طولاً وعرضاً بل زوايا وارتفاعات و ميلان و…الخ، بل بالنبض ‘,وحين يفقد الإنسان جزءًا من حواسه، يُعوّضها بحواس الوعي. وهكذا تحولت الخرائط من أدوات ميدانية إلى هوس معرفي، ومن خطوط ومساحات إلى معانٍ، وهويات، وتاريخٍ لا يُقال بالكلمات.
ليس الغريب أن أكتب عن الأطلس. فحين تكون قد عملتَ لسنوات في مهنة المدفعية، تجد نفسك ترتبط عاطفيًا بملامح الأرض، تلامسها بالعين قبل الخطى، وتفهمها بلغة غير مكتوبة… لغة الإحداثيات، والاتجاهات، والارتفاعات.
إنها علاقة من نوع خاص تنمو بين العسكري والخريطة، تمامًا كما تنمو علاقة العاشق بحبيبه في صمت. من هنا، كان عشقي للخرائط أبعد من مجرد هواية. إنها مرآة الذاكرة، وبوصلتي في فهم الماضي، الحاضر، والاتجاه الذي نمضي إليه.
ومن هنا جاءت كتابتي لهذا المقال – ليس من باب المعرفة الجغرافية البحتة، بل من عمق الإيمان بأن للخرائط صوتًا، وأنها تُحدثنا إن أمعنّا النظر فيها. ومؤخرًا، اكتشفت صوتًا عريقًا يهتف من بين صفحات خريطة قديمة، يحمل ذاكرة شعب وجغرافيا نازفة. ذلك الصوت كان عنوانه: “أطلس كردستان 977-1964م”.
فكرة ُتقاوم النسيان: أطلس كردستان كوثيقة حضارية
في زمن يتسابق فيه النسيان مع الزمن، برز عمل جبار يشبه السدّ أمام هذا التيار: أطلس كردستان، المشروع العلمي والمعرفي الفريد الذي وُلد من رؤية أكاديمية ثقافية، وسعى إلى توثيق الامتداد الجغرافي والتاريخي للكرد عبر قرون طويلة.
لكن هذا العمل لم يأتِ صدفة، ولم يكن مجرّد تجميع لخرائط متناثرة، بل هو نتيجة جهد فكري متأمل، قاده بعقل موسوعي وإصرار نادر الكاتب والباحث الدكتور نوزاد يحيى باجكر، أحد أبرز المفكرين الكرد المعاصرين، الذي يشغل اليوم منصب رئيس هيئة الأمناء لجامعات ومعاهد ومدارس جيهان في إقليم كردستان.
د. نوزاد لم ينظر إلى الخريطة كوثيقة صامتة، بل ككائن حيّ يروي قصة شعب. أطلس كردستان، الذي رأى النور أول مرة عام 2023، جاء ليجمع شتات الخرائط الكردية الموزعة في أرشيفات العالم: من فرنسا إلى تركيا، من ألمانيا إلى بريطانيا، ومن الولايات المتحدة إلى إيران. لقد جمع د. نوزاد 148 خريطة تاريخية نادرة، كل منها تحكي عن مرحلة من مراحل الحضور الكردي على هذه الأرض – من خريطة ابن حوقل في القرن العاشر، إلى خريطة كاشغري، إلى خرائط عثمانية وأوروبية وأمريكية تُظهر بوضوح تواجد الكرد، لغتهم، وقبائلهم.
وهكذا، لم يكن الأطلس سردًا جغرافيًا فحسب، بل شهادة سياسية، وثيقة تاريخية، وصرخة في وجه محاولات الطمس المتكررة.
جامعة جيهان-دهوك: حين تتحول المؤسسة الأكاديمية إلى ضمير حضاري
هذا العمل الكبير لم يكن ليستكمل مسيرته لولا أن وجده حضنًا حقيقيًا يحتضنه. ذلك الحاضن كان جامعة جيهان – دهوك، برئاسة الدكتور زيرفان عبدالمحسن أسعد، الذي بادر ووجّه بدعم المشروع، معتبرًا إيّاه كنزًا معرفيًا لا بد من نشره وتوزيعه على نطاق واسع مكللاَ بتعاون الاستاذ (شيان مهدي كانيساركي) الذي يبذل جهده اللامتناهي في خدمة كل ما هو مفيد لواجبه ومرجعه العلمي و لمساته القوية في كل الانشطة الأعلامية و العلمية، وكماهو نشر في احدى المنصات الأعلامية تحت عنوان توثيق جغرافي وتاريخي لشعب عريق. وعمم هذا العمل عمليا و نظريا من نشر كراسات الاطلس و عبر عن اهمية هذا العمل في كل الميادين.
وفي خطوة تحمل بُعدًا استراتيجيًا وثقافيًا، قامت الجامعة هذا العام بتوزيع نسخ من الأطلس على المؤسسات الحكومية، والمراكز الثقافية والأدبية كاتحاد الأدباء والمكتبة البدرخانية العامة، بل ووضعت خطة متكاملة لنشر هذا العمل في كافة أرجاء دهوك وأقضيتها ونواحيها، مع طموح مستقبلي لتوزيعه في العراق ودول أخرى.
إنها ليست مجرد عملية توزيع كتاب، بل هي زرع لذاكرة في تربة المجتمع. هو فعل مقاومة ثقافية ضد الغياب، وضد اختزال تاريخ شعبٍ في هوامش الكتب.
بين الخريطة والهوية: قراءة فلسفية في الأطلس
إن ما يميز الأطلس – وأكرره بعيون من عاش الجغرافيا كميدان ودرسها كهواية – هو أنه لا يقدّم خرائط فحسب، بل يقدّم ذاكرةً مؤطّرة. لكل خريطة سياقها، اسم رسامها، سنة إصدارها، ومكان أرشفتها. إنها ليست عرضًا بصريًا، بل بناء سردي-تحقيقي يربط الزمن بالمكان، والعلم بالهوية.
بل إن المؤلف – برؤية بحثية دقيقة – أرفق فهرسًا شاملًا للمراجع والمصادر، مع روابط إلكترونية تتيح للباحثين تحميل الأطلس، ما يضعه في طليعة المشاريع الأكاديمية العصرية، المواكبة لأدوات البحث الحديثة.
في هذا العمل، تتحول الخريطة إلى ميثاق، إلى شاهد لا يموت، يقول للعالم: هذه أرضنا، وهذه جذورنا، وهذه قصتنا التي لم تُحكَ بعد كاملة.
أخيراً: الأطلس كصوت يتحدى الصمت
“أطلس كردستان 977-1964م” ليس كتابًا يُقرأ وينسى، بل جدارًا من الوعي يظل شاخصًا أمام أعين كل من حاول ويُحاول أن ينكر وجود هذا الشعب العريق على خارطة التاريخ.
وما أجمل أن تكون للجامعة – ممثلة بجامعة جيهان في دهوك – يد في صنع هذا الجدار. وما أعظم أن يكون خلف هذه الفكرة فكرٌ كبير كفكر د. نوزاد يحيى باجكر، الذي لا يزال يقود هذا المشروع نحو مزيد من الإغناء والتوثيق في طبعات قادمة.
لقد علمتني المدفعية أن دقة التصويب لا تكفي، بل لا بد من معرفة التضاريس. واليوم، يعلّمني هذا الأطلس أن معرفة الأرض ليست تقنيةً عسكرية فقط، بل عمقٌ حضاري، وتاريخٌ ممتد في خطوط ودوائر، تشهد أن الكرد لم يكونوا طارئين على هذه الأرض، بل كانوا – وما زالوا – من صُنّاع تضاريسها.
فلنقرأ الخرائط… لا كجغرافيا، بل كحكايات نجت من الرماد و توثق الثقة للاجيال القادمة من أبنائنا و مستقبل شعبنا العريق المظلوم على مدى السنين.
